هل اعتمد بن جوريون "الخطة د" ؟
|
عندما تبدأ خضرة الأراضي الزراعية بالتلاشي تدريجيا ويسود اللون الأصفر لصحراء النقب ترى كيبوتس ياد مردخاي.
انها بقعة تبعث في النفس السرور في مساء ربيعي، الناس هنا يربون الماشية ويزرعون المحاصيل وينتجون بعض أفضل أنواع العسل في البلاد.
قبل ستين سنة كان سكان هذا الكيبوتس يستعدون للدفاع عن حياتهم.
كان البريطانيون، الذين حكموا فلسطين منذ عام 1917، يتأهبون للرحيل.
في الساعة الرابعة من بعد ظهر 14 مايو/أيار عام 1948 تلى ديفيد بن غوريون أول رئيس وزراء اسرائيلي بيان الإستقلال في إحدى القاعات في تل ابيب.
قبل منتصف الليل، انسلت باخرة تابعة للأسطول الملكي البريطاني من مياه فلسطين الإقليمية.
مع حلول فجر اليوم التالي عبرت قوات مصرية وسورية وعراقية وأردنية ولبنانية الحدود الى الأراضي التي خلفها البريطانيون.
معركة فاشلة كان كيبوتس ياد مورخاي على خط تقدم القوات المصرية، في الطريق الى تل أبيب، وقد أصبحت مقاومة الكيبوتس رمزا فيما بعد.
أطفال فلسطينيون يحيون ذكرى النكبة في مخيم في لبنان
|
ومع أن الكيبوتس سقط الا أنه استطاع ايقاف الجيش المصري لفترة تمكن فيها الجيش الاسرائيلي من إقامة خط دفاع اضافي في الشمال حيث تم ايقاف تقدم القوات المصرية التي عادت أدراجها.
اسس هذا الكيوتس مهاجرون من بولندا فروا من الإضطهاد بأمل بناء حياة جديدة ونمط دولة جديد في فلسطين.
عام 1943 أطلقو على مستوطنتهم إسم موردخاي أنيليفيتس، وهو اليهودي الذي قاد انتفاضة جيتو وارسو ضد النازيين.
حين تتجول في الكيبوتس تحس بأنفاس التاريخ حاضرة في كل بقعة.
في الكيبوتس تجد متحفا للهولوكوست (المحرقة النازية) وتمثالا لأنيليفيتس.
لقد احتفظ سكان الكيبوتس بخزان ماء جرى تدميره عام 1948، كما تجد بعض قطع الأسلحة التي كانت بحوزة الجنود المصريين معروضة في الكيبوتس.
قصة لم تنته لقد تم استيعاب المهاجرين اليهود في دولة حديثة ذات نظام برلماني ديموقراطي واقتصاد متطور واسلحة نووية.
في هذه الذكرى لدى اصدقاء إسرائيل اسباب كثيرة للإحتفال، ولكن هذا نصف القصة فقط، النصف الآخر يمس الفلسطينيين.
فلسطينيون يستسلمون للقوات الإسرائيلية في الرملة
|
سكان كيبوتس ياد مرخاي كما معظم سكان ما أصبح يدعى اسرائيل، كان لهم جيران من العرب، يفلحون أراضيهم كما فعل أجدادهم على مدى قرون.
كل سنة في مثل هذا الوقت يتذكر الفلسطينيون ما يدعونه "النكبة"، بالنسبة لهؤلاء الفلسطينيين كانت قصة السنوات الستين الماضية هي قصة المنافي والشتات.
عام 1948 انهار المجتمع الفلسطيني تحت أعباء الحرب ورحل حوالي 700 ألف فلسطيني عن أراضيهم من نهاية عام 1947 حتى بداية عام 1949.
أجبر بعضهم على الرحيل بالقوة، وبعضهم غادروا بسبب الخوف من أن يقتلوا.
صادرت اسرائيل ممتلكات الذين رحلوا ولم يسمح لهم بالعودة.
يبلغ عدد اللاجئين الفلسطينيين المسجلين حاليا 4،5 مليون لاجئ، وتهتم وكالة غوث الاجئين التابعة للأمم المتحدة بشؤونهم.
الكثير من الفلسطينيين يحسون أن إسرائيل قامت على أحزانهم.
مخلفات يجب أن تعرف ما تبحث عنه حتى ترى الآثار التي خلفها الفلسطينيون الذي كانوا يوما جيران كيبوتس ياد موردخاي.
دمرت إسرائيل قراهم بعد رحيلهم. إذا نظرت الى أشجار الاجاص، أو أشجار الصبار التي كانت تسيج حقول المزارعين الفلسطينيين، ربما خطر ببالك أن هذه الأشجار التي اشترك الطرفان في تذوق فواكهها رغم ما كان يفصلهم تحمل رمزا، خاصة وأن الأجاص أصبح رمز اليهود الذين ولدوا في فلسطين، والذين يطلق عليها اسم "اليهود الصبرا". بالمناسبة كلمة "صبرا" هي الكلمة المرادفة للأجاص بالعبرية.
بالرغم من أن سكان الكيبوتس لا يستطيعون رؤية جيرانهم الفلسطينيين، إلا أن الكثيرين منهم ليسوا بعيدين، .
الكيبوتس ليس بعيدا عن المعبر الرئيسي لقطاع غزة، ذلك الشريط الضيق من الأرض الذي يقيم فيه 1،4 مليون فلسطيني، فيما يعرف بـ"أكبر سجن في العالم".
معظم سكان القطاع لاجئون، ينشأ الأطفال بالتعرف على قراهم الأصلية، رغم أن والديهم بل ربما أجدادهم لم يروها أصلا.
لماذا غادروا ؟ أسباب مغادرة اللاجئين الفلسطينيين مدنهم وقراهم مازالت موضع جدل بين المؤرخين والسياسيين.
الكثير من الجدل يدور حول ما يعرف بـ "الخطة د" ، التي اعتمدها ديفيد بن جوريون وجنرالاته في شهر مارس/آذار عام 1948.
بعض المؤرخين يقولون إنها كانت دليلا على التطهير العرقي للعرب في فلسطين بينما يقول آخرون إنها ببساطة كات خطة عسكرية للاستيلاء على مناطق استراتيجية ولم يكن هناك مخطط سياسي لطرد العرب من البلاد.
الرئيس الإسرائيلي شيمون بيريس الذي كان مساعدا لبن جوريون عام 1948 قال لبي بي سي إن إسرائيل لا تتحمل مسؤولية رحيل الفلسطينيين.
القوة والضعف حازم نسيبة، وزير الخارجية الأردني السابق، الذي كان صحفيا فلسطينيا عام 1948 عبر عن دهشته حين أبلغته بكلمات بيريس، قال:"لا يتحملون مسؤولية ؟ إذن ما الذي سبب الهجرة ؟ المذابح التي ارتكبوها في القرى الفلسطينية. أستطيع أن أعدد لك المذابح التي ارتكبت في أنحاء البلاد. هل تظن أن أحدا سيهجر منزله اذا لم يتعرض للتهديد ؟".
بالرغم من قوة اسرائيل، إلا أن بعض مواطنيها ما زالوا يحسون بالتهديد.
العديد من الفلسطينيون ما زالوا يموتون وتدمر بيوتهم، وهم يحسون أن النكبة لم تنته بعد.
ستفشل عملية السلام التي ترعاها واشنطن إذا لم تتعامل مع الجذور التي تعود الى عام 1948.
التقسيم ما زال الموضوع المطروح، كما كان قبل 60 عاما، حيث هناك حاجة لتقسيم الأرض بين دولتين: اسرائيلية وفلسطينية.
هناك نزاع حول القدس، واللاجئون الفلسطينيون ما زالا يجترون ماضيهم ويرنون الى مستقبلهم.